إن مما يتمناه كل مؤمن في هذه الدنيا التيقن من حب الله - عز وجل -، فتجده في كل مواقف حياته يتلمس هذا الحب ويبحث عنه، فإذا وقع في أمرٍ ما تدبّره وحاول الوقوف على خفاياه باحثاً دون ملل عن أثر حب الله له، فإذا أصابته مصيبة صبر لله - تعالى -واستشعر لطف الله - عز وجل - فيها حيث كان يمكن أن يأتي وقعها أشد مما أتت عليه، وإذا أصابته منحة خير وعطاء شكر الله - سبحانه وتعالى - خائفاً من أن يكون هذا العطاء استدراجاً منه - عز وجل -، فقديماً قيل: " كل منحة وافقت هواك فهي محنة وكل محنة خالفت هواك فهي منحة ".
لهذا فإن المؤمن في حال من الترقب والمحاسبة لا تكاد تفارقه في نهاره وليله، ففيما يظن الكافر أن عطاء الله إنما هو دليل محبة وتكريم، يؤمن المسلم أن لا علاقة للمنع والعطاء بالحب والبغض لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " إن الله يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب ولا يعطي الدين إلا من يحب " رواه الترمذي.
بل إن حب الله لا يُستجلب إلا بمتابعة منهجه الذي ورد ذكره في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، فإن اتباع هذا المنهج هو الذي يوصل إلى محبته - تعالى -: "لأن حقيقة المحبة لا تتم إلا بموالاة المحبوب، وهي موافقته في ما يُحب ويُبغض ما يبغض، والله يحب الإيمان والتقوى ويبغض الكفر والفسوق والعصيان " طب القلوب، ابن تيمية، ص183.
والوصول إلى محبة الله - عز وجل - يستوجب أيضاً أن يترافق حب العبد لله مع حبه لرسوله - عليه الصلاة والسلام -، قال - تعالى -: " قل إن كنتم تحبون الله فأتبعوني يحببكم الله " آل عمران 31.
مراتب حب الله - عز وجل -:
إن حب الله لعباده هو على مراتب ودرجات متصلة بحب العبد لله، فكلما زاد حب العبد لله ورسوله زاد حب الله - عز وجل - لهذا العبد، وأول من يستحق هذا الحب هم أنبياء الله - سبحانه وتعالى - الذين جعلهم الله - سبحانه وتعالى - أخلاّءه فقال - عز وجل -: "واتخذ الله إبراهيم خليلاً " النساء، 125.
وقال رسول الله - عليه الصلاة والسلام -: " إن الله اتخذني خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلاً " أخرجه الحاكم.
والخُلّة " اخصُّ من مطلق المحبة بحيث هي من كمالها، وتخلّلها الحب حتى يكون المحبوب بها محبوباً لذاته لا شيء آخر ". طب القلوب، ص229.
ويأتي بعد ذلك حب المؤمنين وهم أولياء الله المتقين.
ويتفاوت المؤمنون في هذا الحب بتفاوت أعمالهم التي تقربهم إلى الله - عز وجل -، قال - سبحانه وتعالى - في الحديث القدسي: " من تقرب إليّ شبراً تقربت إليه ذراعاً، ومن تقرّب إليّ ذراعاً تقربت إليه باعاً، ومن أتاني يمشي أتيته هرولة " رواه البخاري.
وهذا التقرب يدرك العبد كيفيته بالإطلاع على أوامر الله ونواهيه، فينفذ الأمر ويتجنب النهي، ويترك المكروه، كما يفعل المحبوب، جاء في الحديث القدسي "وما تقرب إليّ عبدي بشيء أحب إليّ مما افترضته عليه ".
وقال - عز وجل - في تتمة هذا الحديث القدسي " ولا يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به " رواه البخاري.
وقد عدّد القرآن الكريم الخصال التي تقرب المؤمنين إلى الله وتجعلهم يفوزون بحبه، فورد في كتابه الكريم أنه - سبحانه وتعالى - يحب التوّابين ويحب المتطهّرين، ويحب المتقين، ويحب الصابرين ويحب المتوكلين، ويحب المقسطين، ويحب المحسنين ...
فعلى العبد أن ينمّي علاقته بربه وان يحاول جاهداً أن يتصف بالصفات التي تقربه منه - عز وجل - وتقوّي في نفسه محبته، فإذا قويت هذه المحبة أصبح ممن يستحقون حب الله ورضوانه.